يواجه العالم تحدياً هائلاً يتمثل في فجوة تمويلية تقدر بأربعة تريليونات دولار لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهو نقص قد يعرقل جهود الحد من الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام.

تنعكس هذه الفجوة التمويلية على مختلف القطاعات، من الصحة والتعليم والبنية التحتية إلى الانتقال للطاقة النظيفة والتكيف مع التغير المناخي، مما يزيد من صعوبة تحقيق أهداف التنمية بحلول 2030.

يعود جزء كبير من هذه الفجوة إلى محدودية الموارد العامة، ضعف الاستثمارات المستدامة، وتعقيدات نظم التمويل في الدول النامية. كما تواجه الاقتصادات تحديات في توجيه الموارد المالية نحو مشاريع طويلة الأجل تتماشى مع أهداف التنمية، وهو ما يجعل تمويل القطاعات الحيوية أقل استقراراً وأكثر عرضة للصدمات الاقتصادية العالمية.

وتتطلب معالجة هذه الفجوة النهج الشمولي الذي يجمع بين تحفيز الاستثمارات الخاصة، تطوير أطر التمويل الوطنية، وتحسين كفاءة الموارد العامة. وإلا، فإن استمرار هذا العجز المالي قد يؤدي إلى تباطؤ النمو، تفاقم الفقر، وتعميق التحديات البيئية والاجتماعية التي تهدف أهداف التنمية المستدامة إلى معالجتها.

أخبار ذات صلة

وكالة تصنيف إفريقية تسعى لإعادة تعريف المخاطر.. ما القصة؟
بكين تسحب استثماراتها من الأسهم الخاصة الأميركية

فجوة تمويلية

وبحسب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيلمون يانغ، فإن ثمة العديد من العواقب المترتبة على ارتفاع الديون وتقلص الحيز المالي، محذراً من أن "العجز عن إصلاح الهيكل المالي الدولي يقيد بشدة الوصول إلى رأس المال". ويؤكد أن سد فجوة التمويل التي تقدر الآن بأكثر من 4 تريليون دولار سنوياً، أمر بالغ الأهمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

في أكثر من 50 دولة نامية، تنفق الحكومات الآن أكثر من 10 بالمئة من إيراداتها على خدمة الديون،ـ وفي 17 منها، تزيد هذه النسبة عن 20 بالمئة،ـ وهي علامة تحذير واضحة من التخلف عن السداد، وفقاً لخبراء اقتصاديين في الأمم المتحدة.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد سلط الضوء على كيفية تراجع العديد من المانحين عن التزاماتهم بتقديم المساعدات في حين تؤدي تكاليف الاقتراض المرتفعة إلى استنزاف الاستثمارات العامة، مما يضع أهداف التنمية المستدامة "بعيدًا عن المسار الصحيح بشكل كبير".

وأكد أنه "مع بقاء خمس سنوات فقط للوصول إلى أهداف التنمية المستدامة، فإننا بحاجة إلى التحول إلى السرعة القصوى "، مردفاً: "في ظل هذه الخلفية المضطربة، لا يمكننا أن نسمح لطموحاتنا في تمويل التنمية أن تتلاشى ."

وأشار إلى تصاعد التوترات التجارية باعتبارها خطرا كبيرا، مشيرا إلى أنه في حين أن التجارة العادلة هي مثال واضح على فوائد التعاون الدولي، فإن الارتفاع في الحواجز التجارية يشكل "خطراً واضحاً وحاضراً" على الاقتصاد العالمي، كما يتضح من التخفيضات الأخيرة لتوقعات النمو العالمي من قبل صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وخبراء الاقتصاد في الأمم المتحدة.

أخبار ذات صلة

مصر تسجل أعلى قيمة للصادرات في تاريخها
البنك الدولي: 100 مليار دولار لتمويل المؤسسة الدولية للتنمية

عائق جوهري

من جانبه، يقول استاذ الاقتصاد الدولي، علي الإدريسي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

  • الفجوة التمويلية البالغة 4 تريليونات دولار تمثل عائقًا جوهريًا أمام قدرة الدول النامية على الاستثمار في القطاعات الأساسية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، وهي قطاعات تعد الأساس لأي نمو اقتصادي مستدام.
  • على مستوى التعليم، يعني النقص الحاد في التمويل بقاء ملايين الأطفال خارج مقاعد الدراسة أو داخل أنظمة تعليمية متدهورة لا توفر مهارات تنافسية لسوق العمل، وهو ما يكرس دوامة الفقر ويحد من إنتاجية الأجيال المقبلة.
  • أما في قطاع الصحة، فإن ضعف الإنفاق يقود إلى عجز في المستشفيات والأدوية والأطقم الطبية، ويجعل المجتمعات أكثر عرضة للأوبئة والأزمات الصحية، وهو ما شاهدناه بوضوح خلال جائحة كورونا حين انهارت أنظمة صحية هشة لغياب الاستثمارات الكافية.
  • البنية التحتية تمثل بدورها الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، إذ يؤدي غياب التمويل إلى ضعف شبكات الطرق والطاقة والمياه، مما يرفع تكاليف الإنتاج ويقلل من جاذبية الدول النامية للاستثمارات الأجنبية.

ويضيف: هذه المعوقات الثلاثة تترابط في حلقة سلبية؛ فالتعليم المحدود يقلل من المهارات، وضعف الصحة يقلل من الإنتاجية، وتراجع البنية التحتية يرفع كلفة ممارسة الأعمال، ليبقى النمو الاقتصادي مقيدًا.

ويشدد على أن عدم وفاء الدول الغنية بتعهداتها التمويلية يزيد الأمر تعقيدًا، إذ يُفقد الدول النامية الثقة في النظام المالي الدولي، ويجعلها تعتمد أكثر على القروض المكلفة أو على شراكات غير متوازنة مع قوى صاعدة، مما يفاقم المديونية ويقلص هامش السياسات العامة.

التداعيات –وفق الإدريسي- تمتد أيضًا إلى مستوى عالمي، فإهمال الاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية في الجنوب ينعكس على قضايا الهجرة، والاستقرار السياسي، وانتشار الأوبئة، بل وحتى على الاستقرار الاقتصادي العالمي، ما يجعل الفجوة التمويلية ليست مجرد مشكلة تخص الدول النامية، بل أزمة تهدد النظام الدولي برمته

أخبار ذات صلة

الإمارات تطلق مبادرة لتأسيس "التحالف العالمي لكفاءة الطاقة"
المفوضية الأوروبية: سندعم مصر لتهئية بيئة جاذبة للاستثمارات

تحديات التمويل

وبحسب "تقرير تمويل التنمية المستدامة 2024" الصادر عن الأمم المتحدة، فإن:

  • تمويل التنمية عند مفترق طرق.
  • تحديات التمويل تكمن في صميم الأزمة، وتُعرّض أهداف التنمية المستدامة والعمل المناخي للخطر.
  • فجوات تمويل التنمية المستدامة كبيرة ومتنامية، إذ تُجمع تقديرات المنظمات الدولية وجهات أخرى على ضرورة استثمار إضافي قدره 4 تريليونات دولار سنويًا في الدول النامية.
  • يمثل هذا زيادةً بأكثر من 50 بالمئة عن تقديرات ما قبل الجائحة.
  • تدفع الدول النامية في المتوسط ​​ضعف ما تدفعه الدول المتقدمة كفوائد على إجمالي ديونها السيادية. ويفتقر العديد من الدول إلى إمكانية الحصول على تمويل ميسور التكلفة، أو تعاني من ضائقة مالية.

ويشير التقرير إلى أن العالم على مفترق طرق "وهذه هي الفرصة الأخيرة لتصحيح المسار إذا أردنا تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول الموعد النهائي للعام 2030"، مردفاً: "وحده دفعٌ استثماريٌّ عاجلٌ وواسع النطاق ومستدامٌ كفيلٌ بمساعدتنا على تحقيق أهدافنا العالمية"، محدداً أربعة إجراءاتٍ مطلوبة:

أخبار ذات صلة

هل تصبح جنوب شرق آسيا مركز التصنيع الجديد للعالم؟
تونس تقترض 1.2 مليار دولار من "المؤسسة الدولية الإسلامية"
  1. سد فجوات التمويل للاستثمارات في أهداف التنمية المستدامة/المناخ (العامة والخاصة) على نطاق واسع وبصورة عاجلة.
  2. سد الفجوات في السياسات ، وإصلاح المؤسسات الدولية.
  3. سد فجوات المصداقية وعجز الثقة على المستويين الدولي والمحلي.
  4. صياغة وتمويل مسارات التنمية الجديدة.

دور الدول الكبرى

وتلعب الدول الكبرى دوراً محورياً في سد فجوة تمويل أهداف التنمية المستدامة، إذ تمتلك الموارد والإمكانات اللازمة لدعم الدول النامية عبر منح ومساعدات مالية واستثمارات طويلة الأجل.

ومع ذلك، تبرز مشكلة عدم وفائها بتعهداتها كمحدد رئيسي يعرقل جهود التنمية، حيث غالباً ما تبقى الالتزامات المعلنة دون التنفيذ الفعلي أو تتأخر لسنوات، ما يزيد من صعوبة تمويل المشاريع الحيوية.

يخلق هذا التراجع في الوفاء بالتعهدات فجوة ثقة بين الدول المانحة والمستفيدة، ويضع ضغطاً أكبر على الموارد المحلية والتمويل الخاص، مما يجعل تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030 تحدياً أكثر تعقيداً.

يقول استاذ العلاقات الدولية، الدكتور محمد عطيف، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

  • "أرى أن العجز التمويلي السنوي البالغ 4 تريليونات دولار يشكّل عقبة أساسية أمام قدرة الدول النامية على الاستثمار في قطاعات رئيسية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية".
  • "هذه الفجوة التمويلية لا تُضعف فقط الموارد المالية، بل تُجبر الحكومات على إعطاء الأولوية لخدمة الدين على حساب القطاعات الاجتماعية، وهو ما يُؤدي في النهاية إلى إضعاف رأس المال البشري والمادي".

ويشدد على أن عدم وفاء الدول الغنية بتعهداتها التمويلية يفاقم الأزمة (..)، مردفاً: "أعتقد بأن اعتماد جزء كبير من التدفقات على القروض غير الميسرة يضاعف من هشاشة الدول النامية ويُضعف الثقة في النظام متعدد الأطراف".

ويرى أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى تعميق التفاوتات الدولية وتوسيع دائرة التبعية المالية، مما يُهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي في الجنوب العالمي، مردفاً: "الحل يتطلب التزاما حقيقيا من الدول الغنية، إلى جانب إصلاح شامل للنظام المالي الدولي بما يتيح تمويلا ميسرا وفعّالا يضمن الاستثمار الكافي في التعليم، الصحة، والبنية التحتية".

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي

وكشف تقرير سابق أصدره اليوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنه مقابل كل دولار أميركي تم تلقيه في التمويل بين عامي 2022 و2024، عزز البرنامج الإنمائي ما يقرب من 60 مليار دولار من الاستثمارات العامة والخاصة المتوافقة مع أهداف التنمية المستدامة - وهو تأثير محفز حشد ما مجموعه 870 مليار دولار أمريكي للتنمية المستدامة في الاقتصادات الناشئة. 

وقال مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أخيم شتاينر: "يمكن للمساعدات الإنمائية الاستراتيجية أن تُطلق العنان لاستثمارات تحويلية، ما يُحوّل من الاستجابة للأزمات على المدى القصير إلى المرونة والازدهار على المدى الطويل".