بينما يسعى العالم إلى التعافي من الصدمات الاقتصادية المتتالية، تُقدّم مصر نموذجاً فريداً للتحرك الاستباقي من خلال "السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية". هذا البرنامج الإصلاحي الطموح، الذي كشفت عنه الحكومة المصرية أخيرًا، ليس مجرد خطة، بل خارطة طريق متكاملة تهدف إلى تحويل الاقتصاد المصري من اقتصاد تقليدي إلى اقتصاد المستقبل.

ترتكز خطة الاصلاح على خمسة محاور رئيسية هي: استقرار الاقتصاد الكلي، تعزيز الاستثمار الأجنبي، دعم الصناعة والتجارة، رفع كفاءة سوق العمل، وتوطين التنمية.

وفي حوار خاص لبرنامج "بزنس مع لبنى" على قناة سكاي نيوز عربية، أوضحت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي أن هذه السردية تستهدف خلق حيز مالي أكبر للدولة، وتمكين القطاع الخاص ليكون شريكاً رئيسياً في تحقيق نمو مستدام، وخلق فرص عمل جديدة للشباب، مع التركيز على القطاعات ذات القيمة المضافة العالية والقادرة على التنافس عالمياً".

أخبار ذات صلة

استراتيجية مصرية للتنمية الاقتصادية.. ما الجديد الذي تتضمنه؟
الاقتصاد المصري ينمو بنسبة 4.5% في 2024-2025

مسار الإصلاح الاقتصادي الذي أعلنته الحكومة المصرية عبر "السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية"، يرتكز على خمس محاور رئيسية هي:

  • استقرار الاقتصاد الكلي لضمان الثقة وجذب الاستثمارات.
  • تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر كقاطرة للنمو.
  • دعم التنمية الصناعية والتجارة الخارجية لتحفيز القطاعات القابلة للتداول.
  • رفع كفاءة ومرونة سوق العمل لمواكبة احتياجات الاقتصاد.
  • توطين التنمية الاقتصادية من خلال التخطيط الإقليمي والمبادرات التنموية الكبرى مثل "حياة كريمة".
  • هذه الركائز تمثل حلقة متصلة تعيد تشكيل الاقتصاد المصري ليصبح أكثر مرونة وقدرة على اقتناص الفرص وتقليل أثر التحديات العالمية.

رؤية مصر 2030

  • البرنامج الاقتصادي يحقق التكامل بين رؤية مصر 2030 وبرنامج عمل الحكومة.
  • سيتم التركيز على القطاعات القابلة للتصدير والتبادل التجاري.
  • يقوم البرنامج على تعزيز التنافسية والعمل على تحسين مناخ الاستثمار والأعمال وتحفيز مشاركة القطاع الخاص
  • كما يهدف إلى تحويل مصر من الاقتصاد التقليدي الى اقتصاد المستقبل.. ومن ثم تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة قادرة على مواجهة الصدمات.
  • تحويل مصر الى وجهة جاذبة للمستثمرين ورواد الأعمال.
  • توفير فرص عمل جديدة لالاف المصريين ورفع مشاركة المرأة المصرية في التنمية.

فلسفة "السردية الوطنية"

في بداية اللقاء تطرقت الدكتورة رانيا المشاط، إلى مضمون السردية الوطنية، موضحة أنها تمثل استجابة عملية للتحديات والمتغيرات العالمية، وفرصة حقيقية لتحويل الاقتصاد المصري نحو المستقبل.

وتابعت أن مصر تملك منذ سنوات رؤية واضحة للتنمية، غير أن تعدد المتغيرات الاقتصادية عالميًا ومحليًا أوجد فرصًا جديدة وتحديات متزامنة، وقالت: "أود أن أبدأ بفكرة السردية. مصر لديها رؤية 2030، وبرنامج الحكومة واستراتيجيات قطاعية مختلفة، وأهداف محددة للتنمية الاقتصادية. هناك متغيرات اقتصادية عديدة، وهذه المتغيرات تخلق فرصًا واعدة، وفي الوقت نفسه تحديات. السؤال: كيف يمكننا اقتناص هذه الفرص والحد من وطأة التحديات؟"

وأضافت: "العالم يتحدث اليوم كثيرًا عن إصلاح النظام المالي الجديد، وعن التعاون متعدد الأطراف. وما سيميز دولة عن أخرى في جذب الاستثمارات والنمو والتشغيل، هو مدى قدرتها على تبني سياسات واضحة تتيح خلق النمو وتوليد فرص العمل، وتوفير بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية والخاصة. المهم أن تتحرك الدولة قبل فوات الأوان".

ركائز الإصلاح الاقتصادي

أكدت الوزيرة أن مصر قطعت شوطًا طويلاً في الإصلاح الاقتصادي، مشيرة إلى أن المرحلة الحالية تركز على القطاعات الأعلى إنتاجية والأكثر قدرة على خلق القيمة المضافة، وقالت: "مصر تسير في مسار الإصلاح منذ سنوات عديدة، والإصلاح الاقتصادي مستمر. ركزنا على تطوير البنية التحتية لتكون داعمة للمرحلة المقبلة، وهي مرحلة التركيز على القطاعات الأعلى إنتاجية والقادرة على خلق قيمة مضافة، أي القطاعات القابلة للتداول. هذه القطاعات هي التي تولد النمو والتشغيل وتوفر موارد أجنبية مستدامة".

وشددت على أن استقرار الاقتصاد الكلي يمثل "حجر الزاوية"، مضيفة: :عندما نتحدث عن رسائل هذا النموذج الاقتصادي، نجد أن استقرار الاقتصاد الكلي، والسياسة المالية، والسياسة النقدية، يمثلون حجر الزاوية. أي دولة تريد أن تخلق الثقة وتزيد من الاستثمارات الخاصة أو الأجنبية، لابد أن تضمن استقرار الاقتصاد الكلي".

زيادة الإنفاق

أوضحت المشاط أن الاستراتيجيات تشمل الاستثمار المباشر والتنمية الصناعية المبنية على الابتكار والتكنولوجيا، إلى جانب قطاعات واعدة كالسياحة وتكنولوجيا المعلومات.

وأكدت أن التخطيط الإقليمي ومبادرات مثل "حياة كريمة" يمثلان العمود الفقري لتوطين التنمية، قائلة: "ما يهم المواطن بشكل أساسي هو التخطيط الإقليمي، وهو الأساس في توطين التنمية الاقتصادية. برنامج حياة كريمة يعد من أكبر البرامج التنموية التي تصل إلى المواطن في القرى المختلفة. ومن خلال التخطيط المكاني يمكننا تحديد المناطق ذات الفجوات التنموية وإضافة الخدمات إليها أو توجيه الإنفاق إلى محله الصحيح".

السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية في مصر

وأضافت: "الإنفاق على التنمية البشرية بجميع محاورها، من صحة وتعليم وغيرها، ارتفع بشكل كبير في السنوات العشر الأخيرة. ففي الخطة الأخيرة زاد الإنفاق على الصحة وحدها بنسبة 65 بالمئة. كل هذه الاستراتيجيات مدعومة بإصلاحات هيكلية مهمة تفتح آفاقًا واسعة أمام الاقتصاد المصري".

حلقة متصلة للإصلاح

شرحت المشاط فلسفة الإصلاحات المتكاملة، قائلة: "نحن نخلق دائرة متصلة: استقرار الاقتصاد الكلي يعزز الثقة ويحفز النمو، والإصلاحات الهيكلية تدعم هذا الاستقرار وتولد روافد للتنمية، مثل التنمية الصناعية والبشرية والابتكار والتشغيل مع التركيز على تمكين المرأة. هذه العملية تخلق موارد جديدة، فتظل الحلقة مترابطة بين استقرار الاقتصاد الكلي والإصلاحات الهيكلية والتنمية الاقتصادية. هذه هي الفلسفة القائمة".

وأضافت أن هذه الرؤية لا تقتصر على السياسات المالية أو النقدية فقط، وإنما تشمل سياسات قطاعية تعيد تشكيل هيكل الاقتصاد باتجاه المستقبل.

مؤشرات واعدة

وأكدت الوزيرة أن مصر ضمن أكبر خمس دول عالميًا من أصل 145 دولة في مؤشر التعقيد الاقتصادي، ما يبرز فرصًا كبيرة للتصدير والتصنيع، قائلة: "هناك مؤشرين في غاية الأهمية: الأول مؤشر التعقيد الصناعي، الذي يوضح أن مصر من بين أكبر خمس دول عالميًا لديها فرص واعدة للتصدير. والتحدي هو كيف نقتنص هذه الفرصة ونربطها باستراتيجيات الاستثمار المباشر وترشيد التصنيع. أما الثاني فهو المؤشرات الخاصة بالاستثمارات والصناعات الخضراء، حيث حققت مصر تقدمًا كبيرًا في هذا المجال خلال المرحلة الماضية".

وأوضحت أن بيانات النمو الاقتصادي الأخيرة خلال العام الماضي تعكس هذا التحول، إذ جاء النمو مدفوعًا أساسًا بالصناعات التحويلية والصادرات غير البترولية.

28 قطاعًا في استراتيجية الاستثمار الأجنبي المباشر

وحول دور صندوق النقد الدولي أوضحت الوزيرة المشاط أن أي برنامج لأي دولة مع الصندوق أو مع أي مؤسسة أخرى لا بد أن يكون برنامجًا وطنيًا، مؤكدة أن برامج الصندوق دائمًا ما تركز على استقرار الاقتصاد الكلي، وهذا هو حجز الزاوية، الذي يمكننا من خلاله إعادة الثقة وزيادة الاستثمارات وهكذا، ولهذا فإن النظرة في السردية الاقتصادية المصرية هي نظرة قطاعية: سياحة، زراعة، تكنولوجيا المعلومات، الطاقة، لدينا 28 قطاعًا في استراتيجية الاستثمار الأجنبي المباشر،

وكذا استراتيجية التصنيع وربط كل ذلك بالمهارات والمدارس التكنولوجية، وبالتالي التشديد على استدامة النمو للتشغيل.

وأضافت أنه تم ترجمة كل هذه الخطط إلى مستهدفات كمية، فلم تعد كل استراتيجية منفردة، ولكنها تتكامل لتحقيق أهداف كمية واضحة، لتعزيز النمو الاقتصادي، والنمو على مستوى الفرد، والنمو القطاعي.

مصر تفتح الباب أمام المستقبل

وأضافت الوزيرة المشاط أن هناك 3 سيناريوهات حتى العام 2030 إذا استمرت وتيرة الإصلاح وفق المخطط له، فهناك سيناريو أساسي، وهناك تسريع لعملية الإصلاح، وهناك سيناريو متحفز إذا تغيرت الظروف الإقليمية.. إضافة إلى رؤية 2050 كسيناريو مأمول.

مستهدفات واضحة لعلاج التضخم بالتعاون مع البنك المركزي

وأكدت الوزيرة المشاط أن "السردية الوطنية" تأتي كخطة متوسطة الأجل حتى عام 2030، مع أهداف محددة لثلاث سنوات، موضحة:

"الإنفاق الاستثماري والأهداف المختلفة ستكون محددة لثلاث سنوات. خلال هذا العام نحدد شكل الاقتصاد الذي نطمح إليه، وحجم الإنفاق، وأهدافنا الاستراتيجية، استعدادًا لعرضها على مجلس النواب في مارس المقبل. الوقت مناسب الآن لإطلاق هذه الخطة كي تكون جاهزة مع بداية العام الجديد. أما برنامج الإصلاحات الهيكلية فهو برنامج طويل المدى يجري تنفيذه بالتنسيق مع جميع الوزارات".

نسبة استثمارات القطاع الخاص تزيد عن 60 بالمئة

وأضافت المشاط أن استقرار الاقتصاد الكلي مبني على السياسة المالية بكل مستهدفاتها وعناصرها، والسياسة النقدية فالبنك المركزي يتبنى حاليًا مستهدفات واضحة لعلاج التضخم.. والبنك شريك أساسي في هذه السردية من أجل استقرار الاقتصاد.

وأشارت إلى حوكمة الاستثمارات العامة بأنه يوجد سقوف لهذه الاستثمارات، يمكن من خلالها إتاحة استثمارات أكبر للقطاع الخاص.

وأكدت الوزيرة أن الناتج الإجمالي المحلي يشهد زيادة واضحة في نسبة استثمارات القطاع الخاص بما يزيد عن 60 بالمئة، وفي الربع الأخير زيادة 25 بالمئة، وهذا أمر مستمر، وإذا نظرنا إلى الائتمان الصادر من البنوك إلى القطاع الخاص نجد أنه يتركز في التصنيع، وهذه تقطة مهمة جدًا، لأنها تسير في المسار الاقتصادي الذي نعمل عليه.

وحول وجود شركاء من خارج مصر يمكن الاستعانة بهم في تحقيق هذه السردية، أشارت المشاط إلى المداخلات التي تحدث بها الوزراء المشاركين نجد على سبيل المثال في قطاع الصناعة أطراف مختلفة محلية ودولية، نفس الأمر في استراتيجية الاستثمار المباشر هناك شركاء وطنيين ودوليين، المنهج لكل استراتيجية وسردية يتضمن مرجعيات اقتصادية تتضمن تطبيع عملي بمشاركة شركاء دوليين.

وأكدت الوزيرة: "كل الآراء مرحب بها، ولدينا طريقتان لذلك، الأولى عبارة عن جلسات حوارية مع متخصصين وخبراء، والجزء الثاني من خلال "تطبيق شارك" وهو متاح بداية من 14 سبتمبر الجاري للكل للمشاركة وإبداء أي ملاحظات.

مصر ترسم مستقبل اقتصادها

الإطار الجامع لجميع الاستراتيجيات

واختتمت حديثها بالتأكيد على أن "السردية الوطنية" ستكون الإطار الجامع لكل الاستراتيجيات التنموية في المستقبل، مشيرة:

"نأمل أن تصبح هذه السردية الإطار الجامع لجميع الاستراتيجيات، بحيث نضمن مع تطور الظروف المختلفة وجود أهداف واضحة قابلة للقياس. وبإذن الله نستطيع اقتناص الفرص المتاحة وتقليل أثر التحديات الكبيرة التي تواجه مختلف الدول، وليس مصر وحدها. ونتمنى الخير للجميع".

وفي جانب شخصي، تحدثت الوزيرة عن رؤيتها لفلسفة العمل العام، قائلة: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه. الإتقان مطلوب في كل ملف، والعمل العام ليس سهلاً، لكنه يتطلب الإخلاص والتفاني والعمل الجماعي الذي يؤدي في النهاية إلى نتائج جيدة. نأمل دائمًا أن يكون القادم أفضل بإذن الله".

مصر .. برنامج إصلاح اقتصادي جديد يرسم المستقبل