تتصاعد حدة الضغوط الدولية مع استمرار الحرب في أوكرانيا، إذ تسعى القوى الكبرى إلى إيجاد مسارات سريعة تضع حداً للنزاع الذي بات يثقل كاهل الاقتصاد العالمي ويعيد رسم خريطة التحالفات السياسية والاقتصادية. وفي قلب هذه الجهود، يبرز الدور الأميركي بوصفه الأكثر تأثيراً، في ظل قدرة واشنطن على استخدام أدوات مالية وتجارية واسعة النفوذ.

تأتي التحركات الأميركية الأخيرة في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتقاطع المصالح الاقتصادية مع اعتبارات الأمن والاستقرار الإقليمي.. هذا التوقيت لا يقتصر على التعامل المباشر مع موسكو، بل يمتد ليشمل أطرافاً دولية أخرى ترتبط بعلاقات تجارية قوية مع روسيا، ما يفتح الباب أمام استخدام أدوات ضغط غير تقليدية.

في هذا السياق، تتجه الأنظار إلى الخطوات المرتقبة التي يمكن أن تعيد رسم معادلة القوة على الأرض وفي الأسواق العالمية معًا. وبينما تثار تساؤلات حول مدى قدرة هذه التحركات على إحداث اختراق سياسي، يبقى العامل الزمني محددًا رئيسيًا في تحديد مسار الأحداث المقبلة.

أخبار ذات صلة

ترامب بين مطرقة بوتين وسندان نتنياهو.. حلم نوبل في زمن الحرب
تفاصيل سادس مكالمة هاتفية بين ترامب وبوتين منذ بداية 2025
العقوبات تتجدد.. هل تنجح أوروبا في كسر شوكة بوتين؟
الروبل الروسي.. عملة تحت الحصار تتربع على القمة
  • منح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لروسيا مهلة أقصر تتراوح بين 10 إلى 12 يوماً للموافقة على وقف إطلاق النار في أوكرانيا أو مواجهة عقوبات أكثر صرامة، مع تصاعد إحباطه تجاه نظيره الروسي، فلاديمير بوتين.
  • قال ترامب، الاثنين، في منتجع تيرنبيري للغولف في اسكتلندا، إنه سيقدم الموعد النهائي الذي حدده سابقا لفلاديمير بوتين لمدة 50 يوما لتجنب ما يسمى "العقوبات الثانوية"، مضيفاً: "سأقوم بتقليص الخمسين يوما التي منحتها له إلى عدد أقل".
  • وأضاف في ظهور مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر: "لا داعي للانتظار.. أود أن أكون كريماً، لكننا لا نرى أي تقدم يُحرز"، مع أنه أضاف: "قد نتوصل إلى اتفاق".

ويشير تقرير لصحيفة فايننشال تايمز، إلى أن الرئيس الأميركي كان قد أثار في السابق احتمال تطبيق ما يسمى بالتعريفات الجمركية الثانوية، والتي ستفرض رسوماً على الدول التي تتاجر مع موسكو، حيث أصبح يشعر بإحباط متزايد إزاء تعنت بوتن في محادثات السلام.

وفي 14 يوليو، هدد ترامب موسكو بفرض رسوم جمركية "شديدة"، وفرض عقوبات ثانوية على الدول الأخرى التي تشتري النفط الروسي إذا لم يتوصل بوتين إلى هدنة مع أوكرانيا.

  • وأشار الرئيس الأميركي يوم الاثنين إلى أنه لا يعتقد بأن بوتين سيلتزم بالمهلة الأصلية البالغة 50 يومًا. وقال: "أعتقد أنني أعرف الإجابة بالفعل، ما الذي سيحدث". وأضاف ترامب أنه سيؤكد الموعد النهائي الجديد مساء الاثنين أو الثلاثاء، واصفا نفسه بأنه "محبط للغاية" من الرئيس الروسي بشأن أوكرانيا.
  • في إشارة إلى وقف إطلاق النار، قال: "ظننا أننا حسمنا الأمر مرات عديدة، ثم يخرج الرئيس بوتين ويبدأ بإطلاق الصواريخ على مدينة مثل كييف، ويقتل الكثير من الناس... أقول إن هذه ليست الطريقة الصحيحة".

أدوات ترامب

يقول الأستاذ في كلية موسكو العليا للاقتصاد، الدكتور رامي القليوبي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

  • "يمتلك دونالد ترامب عدة أوراق ضغط حاسمة، من بينها الضغط على الهند لوقف مشترياتها من النفط الروسي".
  • على الرغم من أن الصين على الأرجح لن تستجيب لمثل هذه الضغوط الأميركية، فإن الهند لا تزال حريصة على الحفاظ على علاقات وطيدة مع الغرب. وقد اتجهت بالفعل في الفترة الأخيرة إلى تنويع مصادر استيراد النفط لتشغيل مصافيها".

ويضيف: في حال خسرت روسيا ثاني أكبر مشترٍ لنفطها، فستُوجَّه بذلك ضربة قوية إلى الاقتصاد الروسي، ما سيؤثر سلباً على الروبل الذي بدأ في التراجع بالفعل مع تصاعد التوقعات بتقليص ترامب للمهلة المتاحة لإنهاء النزاع في أوكرانيا.

ومع ذلك "يجب أن نكون واقعيين؛ إذ لا يمتلك ترامب أدوات كافية لإحداث انهيار اقتصادي كامل في روسيا؛ فقد أثبتت السنوات القليلة الماضية أن كلما شددت الولايات المتحدة من عقوباتها، طورت روسيا في المقابل أساليبها للالتفاف على تلك الإجراءات".

شكوك

في السياق، يشير تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية إلى تشكيك محللين في أن التهديد بمزيد من العقوبات سيدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات بحسن نية، ناهيك عن التحدث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

أخبار ذات صلة

ترامب يصف بوتين بـ"المجنون".. ويحذر من سقوط روسيا
ولاية ترامب الثانية.. 100 يوم من الصدمة

ونقل التقرير عن الباحث في المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية في أوكرانيا، ميكولا بيليسكوف، قوله:

  • هناك فجوة بين مطالبة ترامب بالتوصل إلى اتفاق سلام وأي عقوبات أخرى.
  • "يعتمد الكرملين بشكل عام على حقيقة أن الولايات المتحدة في عهد ترامب غير قادرة على اتباع سياسة منهجية لدعم أوكرانيا والضغط على روسيا".
  • "العقوبات الثانوية الخطيرة تتطلب الاستعداد للقتال مع الصين والهند، اللتين تشتريان المواد الخام من روسيا".
  • بالمثل، فيما يتعلق بالأسلحة، تُعدّ سرعة وحجم الإمدادات الحالية أمراً بالغ الأهمية. لذلك، هناك العديد من الأمور المجهولة المعروفة. وأعتقد بأن روسيا قد تعتقد أن الولايات المتحدة لن تجرؤ على فرض عقوبات ثانوية على شركائها التجاريين.

آليات الضغط الأميركي

خبير العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية، أبوبكر الديب، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

  • تمتلك الولايات المتحدة مجموعة من أدوات الحسم الاقتصادية التي يمكن أن تستخدمها للضغط على روسيا لوقف الحرب في أوكرانيا.
  • تشمل هذه الأدوات فرض المزيد من العقوبات المالية والقيود على البنوك الروسية تعرقل تعاملاتها أو الوصول للنظام المالي العالمي إلى جانب تجميد أصول حكومية وخاصة بالخارج ومنع الشركات الأميركية والغربية من التعامل مع كيانات استراتيجية روسية.
  • كما يمكن للولايات المتحدة فرض المزيد من القيود على صادرات التكنولوجيا المتقدمة التي تحتاجها موسكو في قطاعات الدفاع والطاقة والاتصالات مما يؤدي إلى إبطاء صناعاتها الحيوية.
  • كذلك يمكنها بالتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين فرض المزيد من الضغوط على قطاع النفط والغاز الروسي وفرض سقف لأسعاره بما يقلل من العائدات التي تمول بها موسكو الحرب.
  • هذا بالإضافة إلى استخدام النفوذ الأميركي في المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي لعزل روسيا اقتصاديا وحرمانها من القروض والاستثمارات.

ويتابع: كما تمتلك واشنطن القدرة على التأثير في الأسواق العالمية لرفع تكلفة الاقتراض على موسكو من خلال تقارير وتصنيفات ائتمانية تصدر عن مؤسسات أميركية كل هذه الأدوات يمكن أن تُفعّل بشكل تدريجي أو فوري ضمن مهلة ترامب المقترحة لتكثيف الضغوط على القيادة الروسية ودفعها إلى طاولة المفاوضات.

واشنطن وموسكو.. قمة محتملة بين ترامب وبوتين